سبعة عشر عامًا هي عمر القناة كانت كفيلةً بأن تأتيَنا بالمستقبل، بل أن يقدمنا الدهر إليه قربانًا تأكلهُ النار، أصبحنا شباب المستقبل كما أخبرنا شعار المحطة، تلك الجملة التي كنا نرددها مع التلفاز مستبشرينَ ونحن نلهو في باحات الطفولة البريئة، نعم أصبحنا شبابًا وصِرنا في مستقبلِ سبعة عشر عامًا مضت.


لكن استنكارَ الأدباء على كُلٍ لم يُغن عنا شيئًا، ولم يغير من واقع الأمر أو من أمر الواقع قيدَ أنملة، فإنه يُملِي على القلم ولا يُملِي عليه القلم، لم نجد صورة المستقبل التي ظلت محفورةً في عقولنا لسنينَ غيرَ أكوامٍ من أنقاضِ البيوت، وتلالٍ من أشلاءِ البشر، وأنهارٍ من الدماء. ولم يكن المستقبلُ زمرديًا كما ظننا، بل كان نابعًا من ظلمات كوكب أكشن، تارةً في سورية وتارةً في العراق واليمن، ظلماتٌ بعضها فوق بعض، المبصر فيها كالضرير، بل إن الضرير مَعفِيٌّ مما قد يرى المبصر في ثنايا الظلمات. فكم طِفلٍ رأى جمالَ الدنيا مِن نافذةِ "سبيستون" هو الآن رميمٌ تحت الأنقاض! وكم نازحٍ ابتلعه البحرُ ولم يزل التلفازُ يردد في أركان غرفته "سنعود بعد قليل" ولا يعلم أنه لن يعود.