حدثنا أبا نعمان بعد فوات الاوان وانغماس الاحزان ، أنه مرةً قد قال ممازحًا بصوته الجهور مشيرًا إلى أحد الحضور " ما بال مليح الوجه مدلهمٍ مكسور انبئنا يا أبا مسرور أجارُ جائرٍ ؟! أم مجرورٌ حائر؟!" ورد عليه الرجل بغضب " ويحك! أتراني حزين فتُكثِرَ المِزَاح أمَّا ذقت يا سيدي الجِراح أم تعيش في راح ،بين غادٍ وراح " وارتبك مختار وشعر بالندم ومن غضب الرجل قد صُدِم ، واكثر الاعتذار فهو بحزنه ما درى وأصر على الرجل بإخبارهِ ما جرى فوافق الضيف على أن يخبره عند ذهاب الجميع فالقول في الملأ أمر شنيع فبهِ تزداد الهموم وتنتشر السموم ..


ثم قال بعد ما شِهَقَ ما شهق وزفر ما زفر" صفعتني الحياة ألف صفعة وما تأتي المصائب إلا دفعةً إثر دفعة وخسرت أموالي وتعسرت أحوالي ، حتى طلبت زوجتي الطلاق ، وقالت" أنت عديم الصبر والاخلاق،كثير الإسراف متكرر الإسراف، يا عاشق الدينار وهاجر الديار فإني واللهِ على العيش معك غير قادرة فدعني فديتكَ إني مغادرة" وأكثرت عتابي وأطالت سبابي،وهذا ما حصل ودمعي ليس من بصل "


بات مختار يربت على كتفيه مواسيا، حتى جلس له موازيا وقال"ما رأيك أن تسمع لقصة لعلها تذهِبُ ما بكَ من غصة ولي أن أساعدك في هذه المعضلة فهي للسعادة مبطلةِ، وإن شاءالله تعود كما كنتَ مبتسماً وسيما، طيب الخُلُقِ دسيما، إذا سمحت لي بالطبع فنحن إخوة ويجب أن أكون ذا نفع فلا حزنٌ يدوم ولا فرح يقوم وخذ مني قولي هذا ولا تسألني لماذا:


حياة المرءِ في الدنيا

كطقسٍ في انقلاب..

فتصحو بلا وَدْقٍ

وتمسي في انسكابِ..

وتغدو قائظ الرأسِ

فتبقى في احتجابِ..

فكن جَلْدًا وإلا..بل..

ستحيا في اغترابِ...
٠
والآن أدعوك إلى وجبة طعام ودعنا لا نتكلم في مكانٍ عام ، فنأكل ما إذ من الحليم ولا تسأل ما هو فقط كن صبورًا وحليم ٠
٠
" كان يا مكان في داخل الإنسان مملكتان من عسجدٍ وألماس والأخرى من من فضة ونحاس   ،كانت مملكة الآكامدة من ذهب لكنها تثير الرهب فقد كان الوالي كمد ابن كامد المكمود انسانًا غير محمود و شخص كئيبا  فقد كانَ أمرهُ عجيبا وقد كان يكره ذاته فالبحزن ضاعت سنواته ولم يجد أيةَ حلول فأفرغ  غضبه المشلول على شعبهِ المسكين وبات لهم كالسكين فمنع البهجة وأثار ضجة ووضع لمن يضحك غرامة ثم يجروهم على الأرض بلا كرامة ، ويزجهم بالسجن ليبقو وحدهم مع الجن ويجلدهم بالسياط ويضربهم بالحياط فلا يبقى فيهم عظمةٌ سليمة ولا حياة كريمة.. رغم انه ليس بحاجة للمال وإنما لتغيير الحال، فقد كان إيوانهُ من زبرجدٍ وألماس لكن فؤاده ميت الأحساس.. .٠
٠
وقد رُزِقَت إحدى العائلات في المدينة بطفل ذو ابتسامة ثمينة وقرر والده أن يسميه مِبْسَام متفائلًا بزوال الآلام ووصل الخبر للوالي وقَلَّب كفيه صارخا ما التالي ونادى على الجنود " أمسكوا خزيَ آل مكمود" وأمر بالإعتقال ولم ينصت لهم ولا لما يقال وجاء والدا الصغير وكان بإنتظارهما الوالي والوزير وحانت ساعة الصفر والجمع من الخوفِ صُفِر واستعدا للعقاب ربما تقطيع الرقاب ، ونادى الحاكم كمد في الناس بعدما تشابكوا مع الحراس فما عاد أحد يطيق وما بات هناك طريق و زاد الصخب وكلٌ على نفسهِ نحب " أمَّا نسيتم أنه ليس لكم حريةَ التصرف من أين لكم هذا التعجرف من سمح لكم بالضحك أتريدون أن تصبحوا على المحك،أنا واضع القوانين فكفوا عن الأنين  ومن لا يعجبهم يموتون ماذا تحسبون؟! ، إيهه! مجرد هَيْضَلَة دعكم من هذه المهزلة ، وإلا زدت في الغرامة خمس مائة ألف شِرَّا و تبقون خاويين اليدين صِفْرا" وهدأ الجمع وخافوا القمع لكن أبا مِبسام باستمرار نادى وإثر ذلك كمد قد عادا وكان على اطلاع بحال سيد القِلاع وقال " موالي إني ورب البيت بعدكمُ لميت لكن دعني قبل ذلك أخبرك بحل لا يخطر على بالك ويمحو البؤس عن الروح و تشفى كل الجروح وما أنا إلا إبنُ أرضك المخلص وإني والله لست بمَخَرِّص" •
فقال الوالي"هات ما لديك علَّنا نعطف عليك"•
٠
"إني سمعت أن اميرة مملكة البشاشة تملك كمًا من الخلق والهشاشة وجمالها لا شك سيصيبك بالهشاشة   فتسقط مغشيا فما تعود وحشيا ، ففي مملكتهم يسود الإبتهاش ويغلبهمُ الأهتشاش وقلوبهم في انتعاش لكنهم يحتاجون لبعض الحزن وذرفِ المزن وحال دولتهم مزرية والتجارة غير مُرضِيَة فالضحك الدائم الكثير قاتلٌ للضمير ونحن هنا بحاجة لنفرح قليلا فالغَمُ عاش طويلا وما عاد فينا طاقة فالصمت تجاوز نطاقه ..فما رأي سيدي أن تتزوج أميرة البَشابِشة فتتوازن المشاعر في ميزان كل شاعر وبالطبع ستقبل فأنت صعتُريُ النَفْس طيبُ النَفَس " •
٠
فسأله الوالي بذهول فقد ظنه  جهول " ما اسمك يا جَسُور يا من اجتزت الجُسُور "•
فقال "أن حسُّ الشاعر في كل قلبٍ ذا مشاعر تراني في الصبح..."وقبل ان ينهي كلامه صرخ الوالي " اووه كُفَّ عن المديح واخبرنا ما اسمك لنستريح "•
" ميسرة يا مولاي"•
"حسنًا وإن لم يحدث ما تقول فإن سيفي مصقول وإن حدث فلك مني الاستشارة ولك ولأهلك البشارة"•
وبعد ايام فكر الوالي بالأمر بجدية حتى أحكم النية، 

وذهب ليرى حال شعبه أولًا ليتأكد من القرار ويوزع عليهم الكرار ووقف بين الناس ليعلم حالهم ويسأل عن أخبارهم وقال بلهجة الوالد الرقيق وكان لهم كالرفيق " خبِروني !!"•
٠
-"مولاي سوقنا ولله الحمد مزدهرة لكن أفراحنا مندثرة و الحزن قد بَرَمَ قلوبنا بَرما و جعل أروحنا هَرْمى"•
٠
-"يا أيها الوالي بات بنيَ عابسًا منعزلا وما صار منزلي منزِلا "•
٠
-"وأنا ولدي يا والي هجرني لشدة بؤسي ووحيدة بت أصبحُ وأمسي"•
٠
واختلطت الأصوات وكلٌ شكى الشتات وشعر الوالي بالألم واحظر ورقةً وقلم وكتب :••
٠
اكتب إلى نفسي من سيادة الوالي كمد أما بعد :.
٠
لقد تمادى الحزن ها هنا فلن تعود كما كنت يا أنا، فقد دمَّرت شعبك بأنانية والآن آمل إلا تحطِّمَ أمانيَ، ودع عنك كنوز الدنيا فهي من تجعل أفئدة الناس عُميا وابحث لنفسك ولغيرك عن السعادة واعفو واكثر العبادة فحتى متى ستظل هكذا تنشر في بلادك الأذى ، ويحكِ يا نفسي قد حان الوقت ليفنى المقت وسلامٌ عليكي وهذه وصيتي إليكي " •
٠
و توارى صوت الصعصعة وعلت العلعة..•
  وبالفعل ذهب وفعل ورأى بشاشة بنت بشيش المبشوشي أجملَ مما قيل و لم يحتج لدليل وتفاءل لأول مرة ونسى تلك المُرة وساأل والدها برجاءٍ ووِد فقد كان لزوجها منه ضِدْ ووافق ووافقت على الزواج بعد سينٍ و احتجاج ووضعت بعض الشروط و ورسمت بعض الخطوط على ألا تتعدى أحزانه ولا أفراحها خارج الحدود ولا يصابا بالجمود ووحدا شعبهما وزال همهما ، وصارت تعينه ويعينها وتواسيه ويواسيها وساعدا الشعب على اتزان الاحاسيس وفاقا كلَّ المقاييس وذلك بالقرب من الرحمن والتفاؤل يا إنسان  ، وعقدت المملكتان اتفاق فلا حزن ولافرح دائمٌ باق فالإفراط بهِ اختناق والتفريط يؤدي إلى الإفتياق وكُرِّمَ ميسرة  بجعله مستشارا وعم الهدوء وصوت المودة زادَ انتشارا " وانتهت القصة بسلام يا أخي أليس لديك كَلام ؟! هل خففت الألم أم زاد وعم ؟!""٠
٠
"جزيت خير الجزاء ولا أذاقك فالدنيا العناء ، خف  بعضًا منهُ وأبعدني عنه ، لكن لدي سؤال حيرني جدا لا حل في ما قلت لي إن تلاحظ فكيف ستساعدني يا سيد المواعظ ؟!!!"٠
"لا بأس فقط أكمل طعامك و لا تعجل بكلامك ، ثم قلي يا ضيف يومي و مبعد هَومِي كيف هو أهو لذيذ الطَعْم سهل اللَقْم؟!" قال"إي والله يا أبا نعمان "فرد مختار. مبتسِما " دعني أخبرك بأمرٍ ما .. تأمل جيدا في هذا الطبق كالحياة هو بالوصفِ ينطبق، يطهى ببطءٍ وصبر كـ"أنت" تتعلمُ وتكبر،،، اللحم بهِ لا يُعرَفُ ولا يُرَى تمامًا كما حدث لك وجری ، لا نكهة للحياة بلا عوائق و تلك أغرب الحقائق ، هذا القلب سينضج رويدًا رويدا فاصبر أُخَيَ وكن جُوَيْدا،..
إليك بعض الدراهم ولاترفض فالإخوة لبعضهم كالمراهم واستثمرها وأبدأ التجارة من جديد وكن ذا قلبٍ من حديد ولا تقل لا ولما وكيف وأبدأ خذها بصمتٍ وارجعها عندما نرى أبا مسرور تاجرًا قد غدا وحاول أن تكون ذا حكمة و وكرم وعاش من لأهله أكرم "٠
عمَّ السكون لفترة من الزمن وانزاحت كل المحن و شكرا الرجل أبا نعمان والدموع تغسل خديه ويدي مختار تعانق يديه ومن بعدها تحسنت أوضاعه وداوى أوجاعة وأعاد المال والجود من روحهِ سال وأصبح مختار ومحمود أصدقاء واستبشرا خيرًا في كل لقاء" ٠
٠

ابتسمو يا جماعة فالحزن يصيبنا بمجاعة..٠
~~~~~~~~~~٠
« متكرر الاسراف:متكرر الأخطاء/ دسيما : تقريبا معناه مشهور /الوفد:المطر المستمر / حليم:أكلة هندية  /حياط :جمع حائط/مخرص: كاذب/ابتهاش واهتشاش:بهجة وسرور/لعلعة: صوت الحق/هوم:النوم الخفيف /شِرَّا :عاد هذي عملة خيالية ????»٠












اول مشاركة لي .......