العيد مظهر خاص لكلِّ أمة؛ فكما تختلف الأمم في مللها وعاداتها تختلف تبعًا لذلك في أعيادها ومواسم الفرح والزينة وأيام البهجة والأنس بما يحقق الاستقلالية للشعوب حتى لو كانت واقعةً تحت نير الاحتلال، كما نراه في أقطارنا المسلمة المبتلاة بالعدوان الصليبي واليهودي.

والعيد أيامٌ تعود في ذات الزمان من كلِّ عامٍ وسنة؛ وهي في ديننا مقصورةٌ على الفطر والأضحى كعيدين سنويين، وعلى الجمعة عيدنا الأسبوعي العظيم.

ومن لوازم العيد ومقتضياته الفرح والاجتماع والزينة والتلذذ بالمطاعم والمشارب والتوسعة على الأهل والجيران والشعوب، والانسلاخ من الثارات والإحن. ومن سمات العيد سمو النفوس وتكاتف المحسنين على إخفاء معالم الفقر والبؤس في هذه الأيام السعيدة بإغناء المحتاجين وإزالة عوزهم؛ حتى لا يتخلفوا عن جماعة النَّاس ولا تفوتهم مباهج العيد ومسراته في صورة مثالية من المسئولية الاجتماعية.

وتتميز الأعياد الإسلامية عن أعياد الأمم الأخرى وعن الأعياد البدعية بمزايا عدَّة، منها:

- أنَّها ربَّانيةٌ أمر الله سبحانه بها، وبلَّغها الرسول قولاً وفعلاً وإقرارًا لأمته.

- أنَّها تجيء بعد موسمين عظيمين وبعد أداء ركنين من أركان الإسلام.

- أنَّ إطعام الفقراء وإغناءهم في هذين اليومين واجبٌ أو فضيلةٌ تتضاعف بشرف الزمان.

- ليس في أعيادنا استباحةٌ للمحرمات؛ فلنا أن نفرح ونلهو بكلِّ حلالٍ لا حرج فيه على الدِّين أو المروءة.

- أنَّهما يجيئان في جميع فصول السنة كمزيةٍ للتقويم الهجري، خلافًا لأعياد محبوسة على فصول لا تبرحها.

- أنَّها فرصةٌ لاجتماع الأمة على مستويات مختلفة في الصلوات واللقاءات العائلية والإقليمية، أو على الصعيد الطاهر في الموسم الميمون.

- أنَّها خصت بأسماء شرعية، مثل: "الفطر" و"الأضحى" و"يوم الجوائز" و"يوم الحج الأكبر".

- أنَّ العيد عبادةٌ وتعبيرٌ عن السعادة بتمام الطاعة، وسؤال القبول من الربِّ الكريم.

- أعيادنا شرعت لذكر الله وشكره وتكبيره وحمده؛ فهي أنسٌ بالله وفرحٌ بدينه مع ما فيها من جوانب دنيوية.

- الفضائل الكثيرة ليوم الجمعة؛ ويكفي أنَّ الله -سبحانه- أضلَّ عنه أهل الكتاب وهدانا له وجعلهم لنا تبعًا.

ومع هذه المزايا لأعيادنا وغيرها إلاَّ أنَّنا نلاحظ أنَّ عيد الأمة المحمدية ليس له من الحضور العالمي ما لأعياد النصارى التي يتسامع بها النَّاس شرقًا وغربًا، وتتعطل لأجلها المصالح والأعمال ويحتفل بها أهلها بعزة وغيرهم بذلة وضعة! ومن ذلك جعل الجمعة سابع أيام الأسبوع وهو أولها بنصِّ الحديث الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام. وقد يهون علينا خطب الإهمال من قبل الأمم الأخرى، بيد أنَّنا نقف كثيرًا عند انصراف عدد من البلدان والمجتمعات الإسلامية عن أعيادنا التي تمثِّل خصيصةً سياديةً للبلد وأهله.

ومن مفردات هذا الانصراف الذهول عن فضائل يوم الجمعة وصرف خيريته تجاه السهر قبله وداخل الفرش الوثيرة خلاله. وكذلك ضمور الفرح الشرعيِّ بالأعياد، خلافًا لما يحدث أيام ميلاد المسيح ورأس السنة الميلادية في كثيرٍ من بلدان المسلمين المأمورين باجتناب شهود الزور. ومن المؤسف أن يعظِّم اليهود يوم سبتهم متجاهلين المصالح الدولية، ولا نفعل شيئًا معقولاً من ذلك تجاه أعظم أيام الأسبوع، حتى ولو كانت مصالح الآخرين تحت سيطرتنا ليستمر العالم في غفلته عن أعيادنا.

ومع تجدُّد هذه المناسبة نتمنَّى أن تكون برامج العيد العامة متوافقةً مع الشرع الحكيم الذي سنَّها ابتداءً، وملتزمةً بالأنظمة المعلنة التي لا تناقض أحكام الله، ومراعيةً لمصالح المجتمع وأعرافه المقبولة، حتى يفرح الجميع بيومهم المبارك بلا تنغيصٍ من منكرات أو سوء تنظيم؛ وحتى تظلَّ عواصم المسلمين ومدنهم محافظةً على هويتها في كلِّ مناسبة، وتخالف ما يدعو له شياطين الإنس تحت غطاء البسمة والفرح؛ إذ البسمة يمكن تحقيقها بلا آثام، والفرح عبادةٌ ومن الخزي جعله معصية.

المصدر: موقع رسالة الإسلام.